كانت فتاة ربما في الثامنة أو التاسعة من عمرها .. اعتدت دائما أن تكون الوجة الأول الذي أراه عندما ألج بوابة دار التحفيظ ..
تمد يمدها مصافحة وابتسامة طفولية جذلا تشع من محياها ..عينها يغلب عليها الفرح وشيء من حزن قليل ..
تصفاحني وتقول يأستاذة أنت جميلة ..ودائما ماكنت استغيث بزميلاتي واسألهن هل أنا جميلة حقا ؟؟ ولكن تأتي الإجابة سريعة تزفها ضحكات ساخرة ويقلن لي لا تصدقي إنها فقط مجاملات مجاملات الأطفال .. كلما أشاهد تلك الطفلة نظراتها .. ابتسامتها .. أدرك أن في داخلها سر لا أعلمه .. وتمضي الأيام ونمضي معها ..
ذات يوم كنت في فناء الدار انظم الطالبات .. وجاءت تلك الفتاة ووقفت بجانبي لتبوح لي عن ذلك السر وقالت بلهجة مرتعدة متكسرة حيث أن تلك الفتاة ليست عربية ( أنا هبك ابلا عشان انت تضحك معي ) للوهلة لم استطع النطق وبقيت صامتة في مكاني.. وقلت يالله يالقسوة قلوبنا تجاة تلك الفئة من الناس ..أدركت من كلامها أن الجميع هنا ولربما في الشارع وفي كل مكان يعاملها معاملة مختلفة فهي تلك الفتاة الأجنبية الفقيرة ذات الملابس الرثة .. والوجة المتسخ .. والشعر المبعثر .. لا أعلم ماهو ذنب تلك الصغيرة أن أباها ولد في بلد تكثر فيها الحروب وجاء لهذه البلدة الطيب أهلها الرغد عيشها .. كي يقاوم من أجل البقاء .. يعيش هنا في الغربة كي يسد رمق بناته الثمانية ووالديه وأخوته الذين بقوا في ديارهم رغم الحرب والجوع والقصف والتفجير ..
ماذنب تلك الفتاة أن نتجاهل وجودها بيننا وأن نجود عليها بما أفاضه الله علينا من النعم والخيرات ..أراها وهي تراقب الفتيات وفي أيديهن اللعب والحلوى وهي ترمقهن بعيون كسيرة وقلب حزين ..
لانستطيع أن نغير ماقسمه الله لهم في الحياة من الرزق .. ولكن مايجب علينا تركيز النظر لتك الفئة من الناس وعدم التغاضي عنهم أينما كانو ..والأفضل من ذلك أن تفقد أماكن وجودهم ونزورهم ونجعلهم يشعروون انهم مثلنا تماما ..ولنسشعر حديث رسول الله ونملاء بمعانيه أرواحنا وقلوبنا وعقولنا عندما قال ( أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم ) ما أروع ما نقرؤه هنا وما أعظمه وما أعذبه وأشهاه .. وكلنا نعلم أنه متى ما أدخلنا الفرح في قلوب غيرنا كنا اسعد منهم بذلك وشعورنا في تلك اللحظات لا يضاهي روعتها أي شعور .. صدقوني ستشعرون حينها أن كل سعادة الدنيا اتسعت في قلوبكم وضاقت في المسافة التي بينكم وبين من أدخلتم السرور إلى قلبه ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق